مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي على الأسرة: كيف تهدد الروابط الأسرية وتؤثر على صحتنا النفسية؟
تُعتبر وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة العديد من الأفراد في العصر الحديث، حيث شهدت السنوات الأخيرة ازديادًا غير مسبوق في استخدام هذه الوسائل من قِبَل مختلف الفئات العمرية، خصوصًا بين الشباب والمراهقين،في الوقت الذي توفر فيه هذه المنصات العديد من الفوائد، مثل التواصل مع الأصدقاء وتبادل الأفكار، يشير عدد متزايد من الدراسات إلى المخاطر المرتبطة بها على الأسر والمجتمعات،تمثل هذه المخاطر تحديات كبيرة تتطلب منا التوعية وبذل المزيد من الجهود لفهم تأثير هذه الوسائل على الأسرة بشكل عام.
تشكل التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، تهديدًا غير مباشر لأواصر الأسرة، حيث تساهم في خلق فجوة بين الأجيال،فعلى سبيل المثال، يعتمد الكثير من الآباء على هذه الوسائل كأداة للتواصل مع أبنائهم، ولكن النتيجة تؤدي في كثير من الأحيان إلى تباعد المشاعر وفقدان السيطرة على التفاعل الفعلي،التفاعل الاجتماعي في العالم الافتراضي غالبًا ما يحل محل التفاعل الشخصي، مما يزيد من مشاعر الوحدة والانعزال حتى في المجتمعات المترابطة.
من المخاطر الكبرى التي تبرز نتيجة للاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي هي الانشغال عن القيام بالواجبات اليومية،يبتعد الكثير من الأفراد عن مسؤولياتهم الحياتية، سواء كانت أسرية أو تعليمية، مما يؤثر بشكل سلبي على الأعمال والأنشطة اليومية،على سبيل المثال، يمكن أن يُهمل الأبناء مهامهم المدرسية بسبب إغراقهم في محتويات العالم الافتراضي، مما ينعكس على أدائهم الأكاديمي.
علاوةً على ذلك، تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي بيئة مناسبة لنشر الأفكار الفاسدة والانحلال الأخلاقي،فالمحتوى المتنوع والمتاح على هذه المنصات يجعلها بوابة للعديد من الثقافات والعادات التي قد تسيء إلى القيم الأسرية، وتؤدي إلى انزلاق بعض الأفراد باتجاه نمط الحياة غير السليم،ومن جهة أخرى، تُشكل أيضًا بيئة ممتازة لنشر التطرف والجريمة، حيث تجتمع فيها الأفكار المتطرفة وتتفاعل بشكل يتجاوز حدود الفهم الاجتماعي السليم.
تظهر المخاطر أيضًا بشكل واضح في تعامل الأطفال والمراهقين مع هذه الوسائل،يُعتبر الأطفال في سن مبكرة أكثر عرضة للضغط النفسي والعاطفي المرتبط بمواقع التواصل،فحسب العديد من الدراسات، قد يُحدث الاستخدام المتكرر لهذه المنصات شعورًا ناقصًا بالقبول، حيث يستمد الأطفال قيمة أنفسهم من عدد الإعجابات والتعليقات على صورهم،هذا الأمر قد يؤدي إلى معاناة نفسية كبيرة، خاصة عندما يتم مقارنة حياتهم بحياة الآخرين، مما يعطي انطباعًا مزيفًا عن النجاح والسعادة.
بالنسبة للمراهقين، تتعدد المخاطر المرتبطة بشبكات التواصل الاجتماعي، بدءًا من المحتوى غير المناسب، وصولاً إلى التأثيرات العضوية السلبية مثل ضعف البصر والإرهاق النفسي،الدراسات تشير إلى أن المراهقين الذين يقضون وقتًا طويلاً في مشاهدة محتوى غير ملائم قد يعانون من اضطراب النوم والقلق والاكتئاب،حقيقة أن العالم الافتراضي مليء بالمشاهد المثيرة للدهشة والتوتر ينجم عنه آثار سلبية ضخمة على صحتهم النفسية والجسدية.
علاوة على ذلك، لا يمكننا التغاضي عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الزوجية،فعندما ينشغل الأزواج بالتحديثات اليومية على هذه الصفحات، يُهملون التواصل الحقيقي والحميم بينهم، مما قد يؤدي إلى تفكك الروابط الزوجية وحدوث تصدعات في الحياة المشتركة بينهما،مشاهدات الأزواج لحياة آخرين من خلال هذه المنصات تدعو إلى المقارنة، مما قد يؤثر سلبًا على تقديرهم لذاتهم ويجعلهم يشعرون بالافتقار للرغبة في الجهود المبذولة لتقوية علاقتهم.
في نهاية المطاف، يُظهر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الفوائد والعيوب، حيث ان التأثيرات السلبية على الأُسَر والأبناء من بين الأمور التي تحتاج إلى اهتمام كبير،يجب على الآباء والأمهات العمل على إنشاء بيئة رقمية آمنة وإيجابية، ترشد أبنائهم وتساعدهم في التعامل مع هذه التحديات بوعي وعقلانية،يمثل الوعي والتوجيه من قبل الأهل ضرورة ملحّة من أجل بناء جيل قادر على استخدام هذه الأدوات بشكل صحي وضماني.